قلعة المينقة بقلم ياسمين حسن حمادة
… قلعة المينقة …
المينقة هي قلعة تاريخية تقع عند الحد الفاصل بين جبال اللاذقية و طرطوس في منتصف المسافة بين جبلة و بانياس…
و تعود إلى الحقبة الرومانية..
عُرفت هذه القلعة بالمينقة في الفترة الإسلامية بينما عُرفت في الفترة الصليبية بحصن «مليكاس» أو حصن《المالغانس》
تذكر المراجع أن البناء الأساسي للقلعة قد بني
على يد العرب المحليين في القرن الـ 11…
لكن سرعان ما استولت عليه القوات البيزنطية.. ثم في مرحلة ما من القرن الـ 12 سيطر عليها الصليبيون.. و سميت في تلك الفترة حصن مليكاس أو حصن المالغانس..
و لكن عاد الإسماعيليون للتحصن فيها عندما وصل رشيد الدين إلى الزعامة و نشط في المنطقة..
ثم و بطريقة ما عادت السيطرة إلى أيدي الصليبيين..
ربما كجزء من توافقهم مع الإسماعيليين ضد أعدائهم المشتركين…
ثم إلى فرسان الأسبتارية الذين حافظوا أيضاً إلى حد كبير على علاقات ودية مع الإسماعيليين…
و ربما بقيت القلعة فعلياً تحت سيطرتهم في تلك الفترة و ما تلاها من فترات.
تحتل القلعة موقعاً مهماً على الجبال الساحلية الزاخرة بالحضارة الهندسية العسكرية متربعة على الخط الفاصل بين جبال مدينتي البحر .. اللاذقية و طرطوس..و مجاورة “قرية القلع” التي تتوسط بدورها مجموعة قرى تتميز بغناها بمواقع أثرية تعود إلى حقب تاريخية متنوعة.. و تشتهر ببيئتها ذات القدرات الاستشفائية الطبيعية.. و الغنية بالموارد و العناصر المائية من ينابيع باردة..كنبع العسل و ظهر الشقيف
و استرلا .. و طواحين و مساقط مائية غزيرة.. كما تحتوي واحداً من أجمل شلالات سوريا “شلال وادي القلع” الذي يقودك إليه طريق معبد ملتو ينتهي إلى جوف كهف مرتفع تنسدل من أعلاه مياه الشلال لتسقط على صخرة كبيرة مدببة شكلتها عوامل الطبيعة بشكل عشوائي ملفت.
لعل تربع “قلعة المينقة” على أعلى قمة في قرية “وادي القلع”..أعطاها شكلاً يشبه شكل “التاج” الذي يزين رأس الملك…
لكن الملك هنا هو الجبل الذي وقف عنده العديد من الملوك و القادة و عجزوا عن التربع على قمته.
فخلال اجتيازك خطوات السلم الذي يوصلك من داخل قرية “وادي القلع” إلى القلعة تستطيع أن تتخيل عظمة هذه القلعة وصعوبة ترويضها فعدد درجات سلمها القديم يصل إلى /1000/ درجة.. ما يدل على ارتفاع القلعة و موقعها.
بقيت “المينقة” مهجورة لفترة زمنية طويلة حتى أتى الثوار و جعلوها معقلاً لهم..
و كتبوا بذلك تاريخاً جديداً لها ..
فبعد مرحلة طويلة من الزمن و القلعة مهجورة لا يزورها أحد..
أتى الفرنسيون و أعلنوا انتدابهم على “سورية” فثار الأهالي و بدأت المعارك بين الثوار و قوات الاحتلال ..
ففي عام /1919/ التجأ الثوار بقيادة المجاهد “صالح العلي” إلى القلعة و جعلوها مقراً لانطلاق غاراتهم طوال فترة الاحتلال.
حاول السيطرة على هذه القلعة الأمير “نور الدينزنكي” في الفترة ما بين/523-564/ هـ.. و كذا حاول الناصر “صلاح الدين” السيطرة عليها أثر محاولة اغتيال خطط لها “حاكم قلعة المينقة” لكنه لم يستطع أيضاً..
فعقد صلح بين الناصر و حاكم القلعة بتدخل من الأمير “حماه” في تلك الفترة “شهاب الدين الحارمي” الذي استطاع عقد اتفاق صلح بين الطرفين رد بموجبه “الناصر صلاح الدين” عن فكرة الثأر و جعل الطرفين حلفاء بمواجهة الفرنجة فحصلت “المينقة” على دعم السلطان الأيوبي و معونته بالسلاح لحماية حدودها
و أصبح حاكمها صديقاً للأيوبين.
أما سور القلعة فهو سور عملاق لا يخلو من الأبراج..
و مازال محافظاً على بعض أجزائه حتى يومنا هذا و تم ترميم جزء آخر منه عام /2001/..
كما أن القلعة ما زالت تحتفظ ببعض الأقبية حتى يومنا هذا..
اكتشف منها حتى الآن /6/ على أمل اكتشاف المزيد في عمليات التنقيب القادمة…
هذه الأقبية تأخذ شكلاً مستطيلاً و هي كانت مستخدمة لعدة أغراض..
اثنان منها استطعنا التوصل إلى أنهما كانا يستخدمان كاسطبل مستفيدين من مرابط الخيل التي تم اكتشافها».
في أسفلها يقع كهف ( شقيق الكحيلة )
و شلال عين ماء ( أستير )
و إلى جوارها قبر الداعي الإسماعيلي الكبير
( أبو فراس المينقي )
و ابنه ابراهيم الذي توفي في حياة والده…
و من إسمها أخذ مؤسس دولة القلاع الإسماعيلية إسمه ( أبو محمد المينقي )
الذي سبق (سنان راشد الدين) في قيادة الدولة.
كانت ملكية القلعة لـ( سعد الدين بن قراجا )
مع حصن (المهالبة) شرق اللاذقية..
و عند وفاة سعد الدين عام 567 هـ 1171 م اختلف ولداه جابر و المعظم على ملكية القلعة و الحصن…
فسيطر جابر على القلعة و منح أخاه المعظم الحصن..
رفض المعظم ذلك و استنجد بالصليبيين في قلعة صهيون ( صلاح الدين )
بينما استنجد جابر بالإسماعيليين..
فأرسل له ( سنان ) المقدم ( اسماعيل أبو المعالي ) رئيس قلعة القدموس يساعده في ذلك (محي الدين بن سيف) مقدم فدائية قلعة مصياف.
و انتصر الإسماعيليون بينما أحرق الصليبيون حصن المهالبة…
و تمت أعمال الترميم في القلعة و الحصن.
و ظلت القلعة و الحصن زمناً طويلاً تحت السيطرة الإسماعيلية.
و بعد تلك الفترات الطويلة من المعارك
و الحروب و اتفاقيات الصلح طوى عالم النسيان على قلعة “المينقة” إلى أن شرعت المديرية العامة للآثار و المتاحف
عام ( 2000 م ) الاهتمام بها من أجل تسجيلها كإحدى المواقع الأثرية في سورية
و في عام ( 2008 م ) استكملت مديرية آثار “جبلة” أعمال الترميم لقلعة “المنيقة”
حيث تضمنت أعمال الترميم ترحيل الأنقاض
و الردميات بالإضافة إلى تركيب أحجار مكان بعض الأحجار الفاقدة و تم استكمال ترميم الأسوار و الأبراج في القلعة و تضمنت أعمال الترميم في السور الشرقي للقلعة فك و تركيب قسم من حجارة السور و وضع الحشوات المناسبة للحفاظ على الأقبية المجاورة له.
في القلعة برج رئيس و برج مراقبة و اسطبل خيول و السور الخارجي و ما يسمى بجب الدم..
و قد استخدم السكان سطح القلعة حالياً
و حولوه إلى مدرجات زراعية.
و الجدير بالذكر أن قلعة المينقة تصنف من أقدم القلاع في الساحل السوري و تبرز أهميتها نتيجة غناها بالمعالم الأثرية التي تشمل كل الأحقاب التاريخية كالزنكية و الأيوبية
و المملوكية و العثمانية و تحتل موقعا مهما على جبال الساحل حيث تصل مساحتها إلى 10 دونمات و مجموع أطوال أسوارها إلى 520 مترا طوليا و بنيت على هضبة صخرية تحيط بها ثلاثة اودية و عرفت لدى المؤرخين باحدى قلاع الدولة الاسلامية كما عرفت بعدة مسميات منها الحصن و نيابات الدولة الإسلامية و المينقة و المنيقة.







إعداد الصحفية : ياسمين حسن حماده