إعادة إعمار سوريا تبدأ بالعدالة بقلم كاسر العثمان

12

المهندس كاسر العثمان:

إعادة إعمار سوريا تبدأ بالعدالة…

ودير الزور لا تحتمل التهميش مجددًا

 

حاوره: عامر الصومعي

ليست كل الإقالات قرارات إدارية عابرة؛ فبعضها يحمل دلالات سياسية وتنموية عميقة، ويكشف مبكرًا طبيعة الخلل البنيوي في إدارة الدولة وعلاقتها بالكفاءات. هكذا يمكن قراءة إقالة المهندس كاسر العثمان من منصبه مديرًا للمدينة الصناعية في دير الزور، والتي جاءت بعد بداية الثورة السورية، على خلفية مواقفه المهنية الصريحة وانتقاداته العلنية لأداء وزارة الإدارة المحلية، في واقعة جسّدت عقلية الإقصاء بدل الإصلاح، وأكدت أن المشكلة لم تكن في الأفراد، بل في منظومة لا تحتمل النقد ولا تعترف بالكفاءة المستقلة.

دير الزور… تهميش مزمن قبل الحرب وتدمير شامل بعدها

يؤكد العثمان أن دير الزور عانت من التهميش قبل الحرب بسنوات طويلة، رغم موقعها الاستراتيجي ومواردها البشرية والطبيعية. ويشير إلى أن المدينة الصناعية كانت نموذجًا صارخًا لهذا الإهمال، حيث غاب التخطيط طويل الأمد، وضعف الدعم الحكومي، وتعطلت المبادرات الجادة.
ويضيف:

«حين حاولنا تشخيص الخلل علنًا، كان الرد إقصائيًا لا إصلاحيًا، لأن المنظومة لم تكن تتقبل أي رأي مهني مستقل».

الانحياز للحرية… والهجرة كقرار حماية

مع انطلاق الثورة السورية، انحاز العثمان بوضوح إلى مطالب الحرية والكرامة، رافضًا الاصطفاف مع سلطة لا تعترف بالرأي المستقل ولا تؤمن بالإصلاح الحقيقي. هذا الموقف جعله عرضة للتهديد في بيئة أمنية مغلقة، فغادر سوريا مع عائلته إلى الدنمارك، في قرار وصفه بأنه حماية للأسرة لا هروبًا من الوطن، وبداية لمسار جديد لم ينقطع فيه ارتباطه بالشأن السوري.

الدنمارك… تجربة دولة المؤسسات والرؤية البعيدة

في الدنمارك، بدأ العثمان من الصفر، فتعلّم اللغة، وأعاد بناء مسيرته المهنية، وشارك في مشاريع تخطيطية وتنموية كبرى. وكان من أبرز هذه التجارب مشاركته ضمن فرق عمل ساهمت في إعداد «رؤية الدنمارك 2050»، وهي رؤية وطنية تقوم على:

التنمية المستدامة

الاقتصاد الأخضر

المدن الذكية

إشراك المجتمع المحلي في صنع القرار

وقد تُوّجت هذه المسيرة بحصوله على جائزة تقديرية في مجال التنمية الحضرية، المدن الذكية، والاستدامة، تقديرًا لمساهماته المهنية والفكرية.

إعادة إعمار سوريا: قبل الحجر… الإنسان والمؤسسة

يرى العثمان أن إعادة إعمار سوريا لا يمكن اختزالها في إعادة بناء الحجر فقط، بل يجب أن تبدأ بإعادة بناء الدولة كمؤسسة، من خلال:

تخطيط استراتيجي وطني

إدارة رشيدة للموارد

ربط التنمية بالعدالة والمحاسبة

إشراك المجتمع المحلي في القرار

ويحذر من أن أي إعمار يتجاوز هذه الأسس سيعيد إنتاج الفساد وأسباب الانهيار.

خطوات الإعمار قبل دخول الآليات

يشدد العثمان على أن الإعمار الناجح يبدأ قبل الأعمال الهندسية، عبر خطوات إدارية وقانونية ومجتمعية، من أبرزها:

أولًا: الإطار المؤسسي

تشكيل مجلس وطني أعلى للإعمار يضم الحكومة، البلديات، الجامعات، نقابة المهندسين، المجتمع المحلي، والممولين.

إنشاء قاعدة بيانات وطنية تشمل مسحًا هندسيًا واجتماعيًا شاملًا للأضرار والملكيات والبنية التحتية.

ثانيًا: الإطار القانوني

تثبيت حقوق الملكية ومنع نزعها تعسفيًا.

اعتماد آليات شفافة لإثبات الملكيات.

تشريعات تمنع الاحتكار وتشجع مشاركة صغار المستثمرين.

ثالثًا: التخطيط الحضري

تصنيف المباني حسب حالتها الإنشائية.

إعداد مخططات تنظيمية حديثة تراعي المساحات الخضراء والبعد البيئي.

تحديد أولويات الإعمار بدءًا بالبنى التحتية والخدمات الأساسية.

رابعًا: التمويل والرقابة

تنويع مصادر التمويل.

إنشاء نظام رقابة ومحاسبة شفاف بتقارير دورية معلنة.

خامسًا: البعد الاجتماعي

إشراك المجتمع المحلي في القرار.

ضمان عودة الأهالي قبل المستثمرين.

خلق فرص عمل عبر التدريب المهني أثناء الإعمار.

دير الزور… مقاربة خاصة وعدالة تنموية

يؤكد العثمان أن دير الزور تحتاج إلى مقاربة خاصة، كونها عانت من إهمال مزمن ثم تدمير شامل شمل البنية التحتية والصناعة والبيئة. وإنصافها في خطط الإعمار المقبلة ضرورة وطنية لا خيارًا ثانويًا.

دور الجامعات والكفاءات السورية في الخارج

يشدد العثمان على ضرورة ربط الجامعات والمؤسسات التعليمية بمشاريع الإعمار، وخلق تنمية متوازنة تشمل المحافظات الأربع عشرة. كما يؤكد أن الكفاءات السورية في أوروبا تمثل جسرًا حضاريًا فريدًا، لأنها تحمل الثقافتين السورية والأوروبية، ويمكنها بناء جسور ثقافية واقتصادية وسياسية مع العالم، بدل إعادة تدوير رموز الفشل والفساد.

رسالة إلى الدنمارك

ويقول العثمان:

«شكرًا للدنمارك التي احتضنتنا اثني عشر عامًا… بلد ملكي في ثقافته، ديمقراطي في دستوره، إنساني في ممارساته. تعلمنا هنا ثقافة أنا وأنت معًا أقوى وأجمل بدل إما أنا أو أنت. أحلم برؤية جسور ثقافية واقتصادية تربط سوريا بالدنمارك، وبمشاريع دنماركية على شواطئ المتوسط، في تعاون يليق بسوريا الجديدة».

خاتمة

يختم العثمان بالتأكيد على أن سوريا الجديدة لا تحتاج فقط إلى المال والمشاريع، بل إلى الحب، العقول، القلوب، والنوايا الطيبة. ويقول:

«نحن السوريين في الخارج لسنا ممثلين رسميين، لكننا سفراء شرف، نحمل همّ وطننا ونسعى، كلٌّ من موقعه، إلى المساهمة في مستقبله».