الدكتورة آن علي: من مهاجرة مصرية إلى وزيرة رائدة في التعددية الثقافية الأسترالية بقلم عامر الصومعي

5

الدكتورة آن علي: من مهاجرة مصرية إلى وزيرة رائدة في التعددية الثقافية الأسترالية.

رحلة نجاح تُعيد تعريف الهوية الوطنية في عصر التغير العالمي
بقلم: عامر الصومعي – سيدني

في زمن تتصاعد فيه أصوات الانغلاق الثقافي وسياسات الخوف من «الآخر»، تبرز الدكتورة آن علي كأحد أبرز القادة الذين حوّلوا التنوع الثقافي من مجرد شعار إلى رؤية سياسية واجتماعية متكاملة. لقد أثبتت أنها ليست فقط أول امرأة مسلمة تُنتخب في البرلمان الفيدرالي الأسترالي، بل أيضًا رمز للتعددية الثقافية كقيمة أساسية لبناء مجتمع منفتح، عادل، وقادر على الازدهار في القرن الحادي والعشرين.

من الإسكندرية إلى غرب سيدني… بداية الحلم

ولدت آن علي في الإسكندرية بمصر ، ثم انتقلت مع أسرتها إلى أستراليا في سن سنتين، واستقرت في ضواحي غرب سيدني حيث واجهت تحديات المجتمع المهاجر منذ نعومة أظفارها.

نشأت في بيئة عائلية بسيطة؛ كانت والدتها ممرضة ووالدها مهندسًا، ثم عملا في المصانع قبل أن يعمل والدها سائق حافلة. هذه الخلفية الصعبة شكلت لديها فهمًا عميقًا لمعنى الاندماج الاجتماعي والفرص المتساوية.

في مرحلة مبكرة من حياتها، واجهت آن تحديات كأم وحيدة تعمل بأجور متواضعة بينما تربي طفليها وتكمل دراستها، مما عزز في نفسها إيمانًا قويًا بأهمية الفرص الحقيقية للجميع في المجتمع.

الأكاديمية والسياسية: رؤية مبنية على المعرفة

قبل دخولها البرلمان، كرّست آن علي سنوات طويلة للعمل الأكاديمي، حيث تخصصت في دراسة التطرف العنيف والإرهاب، ونشرت أبحاثًا تناولت جذور انجذاب الشباب إلى العنف، وأساليب الوقاية منه.

كما أسست منظمة
People Against Violent Extremism (PaVE)،
وهي منظمة غير
ربحية تهدف إلى تمكين المجتمعات من مواجهة التطرف والعنف الفكري. وقد كانت هذه المبادرات جزءًا من عملها الواسع في مكافحة خطاب الكراهية والتطرف.

لقد مثلت أستراليا في مؤتمر البيت الأبيض لمكافحة التطرف، ما يُعد تقديرًا لخبرتها العالمية في هذا المجال. كما تم تكريمها في قاعة الشهرة للنساء في أستراليا الغربية ورُشحت لجائزة «أسترالي العام»، وغيرها من الجوائز التي تعكس جهودها في الأمن المجتمعي.

السياسة والمناصب: صعود تاريخي في المشهد الاتحادي

في انتخابات 2016، فازت آن علي بمقعد عضو البرلمان عن دائرة «كوان» في غرب أستراليا، لتصبح بذلك أول امرأة مسلمة تُنتخب في البرلمان الفيدرالي الأسترالي، وهو حدث اعتُبر لحظة تاريخية في تمثيل الأقليات داخل النظام السياسي الأسترالي.

وأعادت الانتخابات اللاحقة انتخابها في 2019، 2022 و2025 مما يعكس ثقة الناخبين في أدائها ومواقفها.

وفي عام 2025، شهدت مسيرتها السياسية صعودًا جديدًا عندما عُينت وزيرة للشؤون متعددة الثقافات، وزيرة للتنمية الدولية، ووزيرة للأعمال الصغيرة في حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز، وهو منصب يُعد أعلى تعبير عن التزام الدولة بقيم الانفتاح والتنوع.

التعددية الثقافية: رؤية تتجاوز الاحتفال بالاختلاف

لا ترى الوزيرة علي التعددية الثقافية كعبارة احتفالية فقط، بل كأساس لبناء مجتمع قوي ومتماسك يمنح كل فرد فرص المشاركة الفعالة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية دون تمييز. وقد أكدت في تصريحاتها أن السياسات التي تقودها تهدف إلى فتح آفاق الفرص المتساوية في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، وتحويل الاندماج من فكرة نظرية إلى واقع ملموس.

وأكدت أن التعددية تسهم في النمو الاقتصادي من خلال دعم روّاد الأعمال من خلفيات متنوعة، وتشجيع المشاريع الصغيرة التي تعزز الاقتصاد المحلي وتخلق فرص عمل.

واحدة من أهم المبادرات التي تعمل عليها الآن هي إنشاء المكتب الوطني للشؤون متعددة الثقافات، مشروع يُظهر أن الحكومة لا تكتفي بالتأكيد على قيمة التعددية بل تعمل على دمجها داخل هياكل الدولة السياسية والاجتماعية.

شخصية ملهِمة… ورسالة للعالم

جعلت قصة نجاح الدكتورة آن علي منها رمزاً للعزيمة والإصرار، ورسالة عميقة بأن التنوع ليس عائقًا، بل مصدر قوة. في عالم يواجه تحديات اجتماعية وثقافية متزايدة، تمثل تجربتها درسًا عالميًا في بناء مجتمع ينتفع من تنوعه بدلاً من الخوف منه. إنها ليست مجرد وزيرة، بل رمز لطموح إنساني عالمي يسعى لدمج الجميع في نسيج واحد متماسك من الاحترام والفرص المتساوية.