كيف نقرأ الشعر بقلم عاج شمالي
ان الأدب عموما وبكل أنواعه يحمل آفاقا ثقافية تغني الحضارة وتعطي صورة شاملة عن الحقبة التي يعيش فيها ويتفاعل مع مكنوناتها كل أديب ومثقف وقد قدم المركز الثقافي العربي في المزة أنموذجاً رائعاً بتعزيز الأدب والثقافة من خلال جلسات الصالون الفكري وجلسته هذه الثالثة والعشرين والتي كانت بعنوان #كيف نقرأ الشعر ؟؟
وقد ادار الجلسة مدير المركز الثقافي الدكتور #ابراهيم فهد منصور مفتتحا الجلسه قائلا:
الشعر والأدب عموما هو انعكاس لكل هموم الانسان الاجتماعية والنفسية وغيرها فهو موجود في كل عصر واوان وبالتالي
كيف نقرا الشعر ونتواصل معه وكيف ننفذ لعمق القصيدة ؟؟
وأردف قائلاً : إن التواصل مع النص الشعري يكون عبر ثلاثة مستويات
اولاً : القراءه السطحية التي لا تنفذ الى عمق النص
ثانياً : قراءة الفرد للنص من خلال التاريخ والسياسة وغيرها
ثالثاً : قراءة شخصية وهي التي من خلالها يضيف القارئ للنص معانٍ خلاقة اخرى فيصبح القارئ بهذا المفهوم المبدع الحقيقي للنص عندها سيعطي للنص الشعري آفاق أخرى وليس كما يقدم على أن القصيدة تنتمي لشاعرها الأولي .
وقد قُدم نموذجا تطبيقيا تم من خلاله مناقشة وتبادل آراء حول كيفية قراءة الشعر والتواصل معه والنفوذ الى عمقه من خلال قصيدة مرايا الروح للشاعر الأستاذ قاسم فرحات والتي ألقاها بصوت جهوري وإحساس عالٍ بكل كلمة معبرا عن مكنونات خلجات نفسه
وقد شرح الدكتور #غدير اسماعيل مفهوم القراءة حيث قال :
إن مفهوم القراءة تطور عبر الزمن فلم تعد كيف يقرأ الشاعر نصه بل اصبحت كيف يقرأ المتلقي هذا النص فالمرجع الذي يقيّم قراءتي لهذا النص هو النص ذاته إذ أن العلاقات اللغوية لهذا النص من رؤى أو تأويلات ستغفل قراءات اخرى قد تكون أكثر أو أقل جمالا ولا يمكن الوصول الى قراءة متكاملة إلا بتظافر هذه القراءات اللامتناهيه المقيدة بحدود معينة
كما قدم نقدا أدبياً حول هذه القصيدة بالطريقة التحليلية لكل المعاني والعبارات والصور التي أردفها الشاعر مظهراً التكثيف الدلالي وما جنح به الشاعر الى المباشرة في بعض العبارات ومعظم الكلمات كانت ذات دلالة إيقاعية افادت المعنى بإيقاعها وأضافت إليه جمالا فأعطاها ذلك قراءة عميقة وقدرة على التماوج بين الروح والجسد كما أن تنوع القوافي الداخلية والتبادل بينها ساهمت في فرض ايقاع ذو شجن يتناسب مع حاله الشاعر واضاف ايضا أنه وجب علينا ان نخرج من بوتقة شمولية القراءة او مركزية القراءة وبالتالي تصبح القراءة فاعلة عندما يكون القارئ شريكا للمؤلف في إبداعه فلا يمكن قسر أي نص على قراءة واحدة
وشارك الناقد الأستاذ أحمد هلال في هذه الجلسة محاولا الإجابة على اسئلة كثيرة ومنها هل ينتهي التأويل ؟؟
فقال أعتقد أنه كلما كُتب نص يبتدئ تأويل جديد فالتأويل الوحيد هو قتل للمعنى وللنص وبالتالي قتل الدلالات الحالمة التي يحملها النص ربما في مستوياته الجمالية والبلاغية والمضمونية والإيقاعية فتعدد المؤولين هو ما يغني الدلالة وبالتالي تخصيب النص بعدد الدلالات والقراء والقراءات المختلفة والمتنوعة وغيرها فلكل قراءة مدرسة واتجاه ونظرية
بعدها شارك الشاعر محمد ابراهيم قائلاً :
الجمهور الذي أمامك هو من يفرض عليك القصيدة وأحيانا تكون نوعا من الانفعال فعلى سبيل المثال السردية الفلسطينية تعتمد على الصمود والتفاؤل والأمل فالشعر دائما يعتمد على المطلق والخاتمة فالنهاية التفاؤلية تحيي من هو أمامك
وحول سؤال طرحه الدكتور إبراهيم عن الخاصية التي تجعل من هذا النص شعرا أجاب الدكتور سليمان الحسين أنه (( في اليوم الذي نتفق فيه جميعنا على ما هو الشعر يجب ان يصمت الجميع عن كتابة الشعر ويذهب كل الى داره ويُردُّ باب الروح )) حيث لا يمكن فصل النص عن منتجه أبداً فكأنما تفصل الروح عن الجسد وبالتالي الموت فالنقد لا يجب ان يعري القصيدة بل يجب ان يتوجه الى عمق جمالها فلا نأخذ القشور ونترك اللب
وقد قالوا ان الناقد عندما يكون شاعرا يخفق بتناول القصيدة لكن في الحقيقة عندما يكون الشاعر أو الناقد حقيقي لا يخفق ابدا
واضاف قائلا القراءة ليست مهمة عقلية بل تجربة روحية، صمت يتحدث وفضاء يتسع لكل شيء و الشعر هنا يصبح مرآة لعالم داخلي واسع لا يُرى الا عندما نسمح له بالظهور حينها نجعل النص يقرؤنا كما نقرأه
أما الدكتور طارق العريفي قد اضاف أن كل قصيدة بحاجة لدراسة بنيوية ودراسة تفكيكية وفي دراسة اي نص لا يمكن ان تعتمد على منهج واحد بل يجب تطبيق المنهج التكاملي الذي يسمح للقارئ او الناقد أن يسير في كل المناهج معتمدين على النص تحديدا ، وقد نجد صعوبة في تفسير الانزياح والصورة وشرحها إذ نعود بها الى المجاز وأركان الصورة وكيف تتحول الى استعارة عندما يحذف طرفيها الاساسيَّين
وكان للمشاركات الأنثوية نصيب في كيفية قراءة الشعر حيث قدمت الشاعرة السيدة سرية عثمان مداخلتها بقولها
حين تقرأ الشعر تطوف الأبجدية بانزياحات وصور تسمو به الى ذائقة المُنصتين وتمد في اللغة جذورا بينما يقال وما يراد له ان يقال فالكلمات حين تتلى يتخفف في صمتها وتتقدم إليهم كأنها تعرفهم وتعرف الفراغات في أرواحهم وعليك ان تنصت اولا فالانصات كلمة أخرى وان تترك للنبرة إيقاعها وللقلب حقه في ان يسبق اللسان فالشعر لا يقال بالحروف وحدها بل بما يتهدل بين السطور من خجل او شغف او دهشة ، واقرأ كما أُمر الانسان أول مرة (( اقرأ باسم ربك الذي خلق )) فالقراءة ليست تمرين على النطق بل بدء الخلق في الوعي ومفتاح الأبواب التي لا تفتح الا لمن يمنح الكلمة حقها من الإصغاء وإذا انتهيت فدع النص يمشي بين الناس وضع أثره يقول ما لم تستطع أنت قوله
ثم شارك مجموعة من الشعراء والشاعرات في مداخلات مع قراءة لقصائد من نتاجهم الشعري الجميل وبعد ذلك ختم الدكتور ابراهيم الجلسة واصفاً طرق القراءة النقدية المختلفة لكل من الأساتذة المشاركين حيث قال :
هناك قراءة تعتمد على النص مباشرة لا تهتم بسياقه التاريخي أو الاجتماعي أو النفسي إذ تريد ان تقرأ النص وتحلله مباشرة وكأنه نص بلا أب وبلا نسب
أما القراءة الأخرى كانت ترى في النص قلقا وجوديا فقرأت النص قراءة نفسية مختلفة
اما القراءة الثالثة فهي قراءة تاريخية حيث تربط النص بالأزمة الفلسطينية والمستمرة والتي عبر عنها الشعراء الفلسطينيون في كل المنابر
و بنهاية توثيق هذه الجلسة لابد لنا من شكر جزيل لإدارة المركز متمثلة بمديرها الدكتور ابراهيم فهد منصور وكادره لكل الجهود المبذولة في إغناء الفكر الثقافي بهذه الأفكار المحفزة لخلق افاق واراء جوهرية جدلية حول قضايا ثقافية مهمة من خلال جلسات الصالون الفكر الادبي المميز










عاج شمالي30/11/2025