منظمة أدرا في سوريا: العمل الإنساني بين الطوارئ والتمكين المستدام بقلم عامر الصومعي
منظمة أدرا في سوريا: العمل الإنساني بين الطوارئ والتمكين المستدام
بقلم: عامر الصومعي – سيدني
تشرفت خلال زيارته إلى سيدني بلقاء السيد ناجي، المدير الإقليمي لمنظمة أدرا في سوريا، في مناسبة أتاحت لي الاطلاع عن قرب على تجربة إنسانية عميقة تعمل بصمت في واحدة من أعقد الأزمات التي شهدها العالم المعاصر. ففي خضم المأساة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد، برز دور المنظمات الإنسانية بوصفها طوق نجاة لملايين المدنيين، ومن بين هذه الجهات تبرز ADRA (وكالة الأدفنتست للتنمية والإغاثة) كنموذج لعمل إنساني يضع كرامة الإنسان في صلب أولوياته، بعيدًا عن أي حسابات سياسية أو أيديولوجية.
تأسست منظمة أدرا عالميًا عام 1956، وتتخذ من الولايات المتحدة مقرًا رئيسيًا لها، وتعمل اليوم في أكثر من 120 دولة حول العالم. ورغم ارتباطها الإداري بكنيسة الأدفنتست، تؤكد أدرا في تعريفها ورسالتها أنها منظمة إنسانية غير تبشيرية، تلتزم بمبادئ الحياد وعدم التمييز، وتقدم خدماتها لكل المحتاجين دون النظر إلى الدين أو العرق أو الخلفية السياسية.
حضور إنساني في قلب الأزمة السورية
مع اندلاع الأزمة السورية وتفاقم تداعياتها الإنسانية بعد عام 2011، وسّعت أدرا نطاق تدخلها لتواكب التدهور المتسارع في الأوضاع المعيشية. عملت المنظمة في بيئات بالغة التعقيد، معتمدة على شراكات فاعلة مع منظمات الأمم المتحدة، والهلال الأحمر العربي السوري، إضافة إلى منظمات مجتمع مدني محلية، ما مكّنها من الوصول إلى شرائح واسعة من الفئات الأشد ضعفًا.
من الإغاثة العاجلة إلى بناء الصمود
لم يقتصر دور أدرا في سوريا على الاستجابة الطارئة، بل تجاوز ذلك إلى تبنّي مقاربة شمولية تربط الإغاثة بالتنمية. ففي مجال الأمن الغذائي، نفذت برامج توزيع سلال غذائية وقسائم شراء، واستهدفت الأسر الأكثر هشاشة، إلى جانب دعم برامج تغذية الأطفال والنساء الحوامل. أما في القطاع الصحي، فقد ساهمت في دعم المراكز الطبية، وتوفير الأدوية الأساسية، وتنفيذ برامج الدعم النفسي والاجتماعي، لا سيما للفئات المتضررة من الصدمات والحروب.
وفي مجال التعليم، أولت أدرا اهتمامًا خاصًا بالتعليم غير النظامي وتعويض الفاقد التعليمي، مركزة على الأطفال المتسربين من المدارس، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن الاستثمار في التعليم هو حجر الأساس لأي تعافٍ مستقبلي. كما شملت تدخلاتها برامج سبل العيش، عبر دعم المشاريع الصغيرة، وتوفير التدريب المهني للشباب والنساء، بما يعزز الاعتماد على الذات ويخفف من الاعتماد طويل الأمد على المساعدات.
الاستجابة للكوارث والطوارئ
برز دور أدرا بوضوح خلال الكوارث الطبيعية التي ضربت سوريا، ولا سيما الزلازل التي شهدها شمال البلاد، حيث شاركت في توفير مواد الإيواء، والمستلزمات الشتوية، وخدمات المياه والإصحاح الصحي، في لحظات كانت فيها الحاجة الإنسانية في أقصى درجاتها.
قيم تحكم الأداء
يستند عمل أدرا إلى منظومة قيم واضحة، في مقدمتها الحياد، والشفافية، والمساءلة، والتركيز على التمكين بدل الاكتفاء بالإغاثة المؤقتة. كما تحرص المنظمة على إشراك المجتمعات المحلية في تصميم وتنفيذ برامجها، بما يعزز الثقة ويضمن استدامة الأثر الإنساني.
خلاصة
في المشهد الإنساني السوري المثقل بالتحديات والتعقيدات، تمثل منظمة أدرا مثالًا لمنظمة تسعى بجدية إلى الموازنة بين الاستجابة العاجلة والعمل التنموي طويل الأمد. ورغم محدودية الموارد وضخامة الاحتياجات، فإن تجربتها تؤكد قناعة أساسية مفادها أن إعادة بناء الإنسان هي الخطوة الأولى نحو إعادة بناء المجتمع.
عامر الصومعي
سيدني
